الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } * { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } * { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

قوله { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } أي شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد، والتفاخر بكثرتها، والتغالب فيها. يقال ألهاه عن كذا، وألهاه إذا شغله، ومنه قول امرىء القيس
فألهيتها عن ذي تمائم محول   
وقال الحسن معنى ألهاكم أنساكم. { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي حتى أدرككم الموت، وأنتم على تلك الحال. وقال قتادة إن التكاثر التفاخر بالقبائل والعشائر. وقال الضحاك ألهاكم التشاغل بالمعاش. وقال مقاتل، وقتادة أيضاً، وغيرهما نزلت في اليهود حين قالوا نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا. وقال الكلبي نزلت في حيين من قريش بني عبد مناف، وبني سهم تعادّوا، وتكاثروا بالسيادة والأشراف في الإسلام، فقال كل حيّ منهم نحن أكثر سيداً، وأعزّ عزيزاً، وأعظم نفراً، وأكثر قائداً، فكثر بنو عبد مناف بني سهم، ثم تكاثروا بالأموات، فكثرتهم بهم، فنزلت { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } فلم ترضوا { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } مفتخرين بالأموات. وقيل نزلت في حيين من الأنصار. والمقابر جمع مقبرة بفتح الباء وضمها. وفي الآية دليل على أن الاشتغال بالدنيا، والمكاثرة بها، والمفاخرة فيها من الخصال المذمومة، وقال سبحانه { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } ولم يقل عن كذا، بل أطلقه لأن الإطلاق أبلغ في الذمّ لأنه يذهب الوهم فيه كلّ مذهب، فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام، ولأن حذف المتعلق مشعر بالتعميم، كما تقرّر في علم البيان والمعنى أنه شغلكم التكاثر عن كلّ شيء يجب عليكم الاشتغال به من طاعة الله، والعمل للآخرة، وعبر عن موتهم بزيارة المقابر لأن الميت قد صار إلى قبره، كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره هذا على قول من قال إن معنى { زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } متم، أما على قول من قال إن معنى { زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } ذكرتم الموتى، وعددتموهم للمفاخرة، والمكاثرة، فيكون ذلك على طريق التهكم بهم، وقيل إنهم كانوا يزورون المقابر، فيقولون هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان يفتخرون بذلك. { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ردع وزجر لهم عن التكاثر، وتنبيه على أنهم سيعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة، وفيه وعيد شديد. قال الفرّاء أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من التكاثر والتفاخر. ثم كرّر الردع والزجر، والوعيد فقال { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وثم للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأوّل، وقيل الأوّل عند الموت أو في القبر، والثاني يوم القيامة. قال الفرّاء هذا التكرار على وجه التغليظ والتأكيد. قال مجاهد هو وعيد بعد وعيد. وكذا قال الحسن، ومجاهد. { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي لو تعلمون الأمر الذي أنتم صائرون إليه علماً يقيناً كعلمكم ما هو متيقن عندكم في الدنيا، وجواب " لو " محذوف، أي لشغلكم ذلك عن التكاثر والتفاخر، أو لفعلتم ما ينفعكم من الخير، وتركتم ما لا ينفعكم مما أنتم فيه.

السابقالتالي
2 3 4