الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } * { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } * { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } * { نَارٌ حَامِيَةٌ }

{ ٱلْقَارِعَةُ } من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع، وتقرع أعداء الله بالعذاب. والعرب تقول قرعتهم القارعة إذا وقع بهم أمر فظيع. قال ابن أحمر
وقارعة من الأيام لولا سبيلهم لراحت عنك حينا   
وقال آخر
متى نقرع بمروتكم نسؤكم ولما يوقد لنا في القدر نار   
{ والقارعة } مبتدأ، وخبرها قوله { مَا ٱلْقَارِعَةُ }. وبالرفع قرأ الجمهور، وقرأ عيسى بنصبها على تقدير احذروا القارعة. والاستفهام للتعظيم، والتفخيم لشأنها، كما تقدّم بيانه في قولهٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } الحاقة 1 ــ 3. وقيل معنى الكلام على التحذير. قال الزجاج والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب، وأنشد قول الشاعر
لجديرون بالوفاء إذا قال أخو النجدة السلاح السلاح   
والحمل على معنى التفخيم، والتعظيم أولى، ويؤيده وضع الظاهر موضع الضمير، فإنه أدلّ على هذا المعنى. ويؤيده أيضاً قوله { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } فإنه تأكيد لشدّة هولها، ومزيد فظاعتها حتى كأنها خارجة عن دائرة علوم الخلق بحيث لا تنالها دراية أحد منهم، وما الاستفهامية مبتدأ، و { أدراك } خبرها. و { ما القارعة } مبتدأ وخبر. والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني والمعنى وأيّ شيء أعلمك ما شأن القارعة؟ ثم بيّن سبحانه متى تكون القارعة فقال { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ }. وانتصاب الظرف بفعل محذوف تدلّ عليه القارعة، أي تقرعهم يوم يكون الناس إلخ، ويجوز أن يكون منصوباً بتقدير اذكر. وقال ابن عطية، ومكي، وأبو البقاء هو منصوب بنفس القارعة، وقيل هو خبر مبتدأ محذوف، وإنما نصب لإضافته إلى الفعل، فالفتحة فتحة بناء لا فتحة إعراب، أي هي يوم يكون إلخ. وقيل التقدير ستأتيكم القارعة يوم يكون. وقرأ زيد بن عليّ برفع يوم على الخبرية للمبتدأ المقدّر. والفراش الطير الذي تراه يتساقط في النار، والسراج، والواحدة فراشة، كذا قال أبو عبيدة وغيره. قال الفراء الفراش هو الطائر من بعوض وغيره، ومنه الجراد. قال وبه يضرب المثل في الطيش، والهوج، يقال أطيش من فراشة، وأنشد
فراشة الحلم فرعون العذاب وإن يطلب نداه فكلب دونه كلب   
وقول آخر
وقد كان أقوام رددت حلومهم عليهم وكانوا كالفراش من الجهل   
والمراد بالمبثوث المتفرّق المنتشر. يقال بثه إذا فرقه. ومثل هذا قوله سبحانه في آية أخرىكَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } القمر 7 وقال { المبثوث } ، ولم يقل المبثوثة لأن الكل جائز، كما في قولهأَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } القمر 20 وأَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } الحاقة 7 وقد تقدّم بيان وجه ذلك. { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } أي كالصوف الملوّن بالألوان المختلفة الذي نفش بالندف. والعهن عند أهل اللغة الصوف المصبوغ بالألوان المختلفة، وقد تقدّم بيان هذا في سورة سأل سائل، وقد ورد في الكتاب العزيز أوصاف للجبال يوم القيامة.

السابقالتالي
2