الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } * { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } * { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } * { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } * { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } * { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ }

العاديات جمع عادية. وهي الجارية بسرعة، من العدو وهو المشي بسرعة، فأبدلت الواو ياء لكسر ما قبلها كالغازيات من الغزو. والمراد بها الخيل العادية في الغزو نحو العدوّ. وقوله { ضَبْحاً } مصدر مؤكد لاسم الفاعل. فإن الضبح نوع من السير، ونوع من العدو. يقال ضبح الفرس إذا عدا بشدّة، مأخوذ من الضبع، وهو الدفع، وكأن الحاء بدل من العين. قال أبو عبيدة، والمبرد الضبح من إضباحها في السير ومنه قول عنترة
والخيل تكدح في حياض الموت ضبحا   
ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال، أي ضابحات، أو ذوات ضبح، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف، أي تضبح ضبحاً. وقيل الضبح صوت حوافرها إذا عدت. وقال الفراء الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت، قيل كانت تكعم لئلا تصهل، فيعلم العدوّ بهم، فكانت تتنفس في هذه الحالة بقوّة، وقيل الضبح صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو ليس بصهيل. وقد ذهب الجمهور إلى ما ذكرنا من أن { العاديات ضبحاً } هي الخيل. وقال عبيد بن عمير، ومحمد بن كعب والسديّ هي الإبل، ومنه قول صفية بنت عبد المطلب
فلا والعاديات غداة جمع بأيديها إذا صدع الغبار   
ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح للثعلب، فاستعير للخيل، ومنه قول الشاعر
تضبح في الكف ضباح الثعلب   
{ فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } هي الخيل حين توري النار بسنابكها. والإيراء إخراج النار، والقدح الصكّ، فجعل ضرب الخيل بحوافرها كالقدح بالزناد. قال الزجاج إذا عدت الخيل بالليل، وأصاب حوافرها الحجارة انقدح منها النيران، والكلام في انتصاب { قدحاً } كالكلام في انتصاب { ضبحاً } ، والخلاف في كونها الخيل أو الإبل، كالخلاف الذي تقدّم في العاديات. والراجح أنها الخيل، كما ذهب إليه الجمهور، وكما هو الظاهر من هذه الأوصاف المذكورة في هذه السورة ما تقدّم منها وما سيأتي، فإنها في الخيل أوضح منها في الإبل، وسيأتي ما في ذلك من الخلاف بين الصحابة. { فَٱلْمُغِيرٰتِ صُبْحاً } أي التي تغير على العدوّ وقت الصباح، يقال أغار يغير إغارة إذا باغت عدوّه بقتل، أو أسر، أو نهب، وأسند الإغارة إليها وهي لأهلها للإشعار بأنها عمدتهم في إغارتهم، وانتصاب { صبحاً } على الظرفية. { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } معطوف على الفعل الذي دلّ عليه اسم الفاعل، إذ المعنى واللاتي عدون فأثرن، أو على اسم الفاعل نفسه لكونه في تأويل الفعل لوقوعه صلة للموصول، فإن الألف واللام في الصفات أسماء موصولة، فالكلام في قوّة واللاتي عدون، فأورين، فأغرن، فأثرن، والنقع الغبار الذي أثرته في وجه العدو عند الغزو، وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة، ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح.

السابقالتالي
2 3 4 5