الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }

قوله { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا } هذا من جملة ما عدّده الله سبحانه من النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل، ومعنى { بوّأنا } أسكنا، يقال بوّأت زيداً منزلاً أسكنته فيه، والمبوأ اسم مكان أو مصدر، وإضافته إلى الصدق على ما جرت عليه قاعدة العرب، فإنهم كانوا إذا مدحوا شيئاً أضافوه إلى الصدق، والمراد به هنا المنزل المحمود المختار، قيل هو أرض مصر. وقيل الأردن وفلسطين. وقيل الشام { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } أي المستلذات من الرزق { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في أمر دينهم، وتشعبوا فيه شعباً بعد ما كانوا على طريقة واحدة غير مختلفة { حَتَّىٰ جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي لم يقع منهم الاختلاف في الدين إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة، وعلمهم بأحكامها، وما اشتملت عليه من الأخبار بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل المعنى أنهم لم يختلفوا حتى جاءهم العلم، وهو القرآن النازل على نبينا صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا في نعته وصفته، وآمن به من آمن منهم، وكفر به من كفر. فيكون المراد بالمختلفين على القول الأوّل هم اليهود بعد أن أنزلت عليهم التوراة وعلموا بها، وعلى القول الثاني هم اليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، والمحقّ بعمله بالحق، والمبطل بعمله بالباطل. { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } الشك في أصل اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض، ومنه شك الجوهر في العقد، والشاك كأنه يضم إلى ما يتوهمه شيئاً آخر خلافه، فيتردّد ويتحير، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره، كما ورد في القرآن في غير موضع. قال أبو عمر، محمد بن عبد الواحد، الزاهد سمعت الإمامين ثعلباً والمبرد يقولان معنى { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ } أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } يعني مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله، وقد كان عبدة الأوثان يعترفون لليهود بالعلم، ويقرّون بأنهم أعلم منهم، فأمر الله سبحانه نبيه أن يرشد الشاكين فيما أنزله الله إليه من القرآن أن يسألوا أهل الكتاب الذين قد أسلموا، فإنهم سيخبرونهم بأنه كتاب الله حقاً، وأن هذا رسوله، وأن التوراة شاهدة بذلك ناطقة به، وفي هذا الوجه مع حسنه مخالفة للظاهر. وقال القتيبي المراد بهذه الآية من كان من الكفار غير قاطع بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بتصديقه، بل كان في شك. وقيل المراد بالخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره. والمعنى لو كنت ممن يلحقه الشك فيما أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك.

السابقالتالي
2 3 4 5