الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } * { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ }

لما بالغ سبحانه في تقرير البراهين الواضحة ودفع الشبهة المنهارة شرع في ذكر قصص الأنبياء، لما في ذلك من التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } أي على الكفار المعاصرين لك، المعارضين لما جئت به بأقوالهم الباطلة { نَبَأَ نُوحٍ } أي خبره، والنبأ هو الخبر الذي له خطر وشأن، والمراد ما جرى له مع قومه الذين كفروا بما جاء به، كما فعله كفار قريش وأمثالهم { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } أي وقت قال لقومه، والظرف منصوب بنبأ أو بدل منه بدل اشتمال، واللام في { لِقَوْمِهِ } لام التبليغ { يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى } أي عظم وثقل، والمقام بفتح الميم الموضع الذي يقام فيه، وبالضم الإقامة. وقد اتفق القراء على الفتح، وكنى بالمقام عن نفسه كما يقال فعلته لمكان فلان أي لأجله. ومنهوَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } الرحمٰن 46 أي خاف ربه، ويجوز أن يراد بالمقام المكث أي شقّ عليكم مكثي بين أظهركم، ويجوز أن يراد بالمقام القيام لأن الواعظ يقوم حال وعظه والمعنى إن كان كبر عليكم قيامي بالوعظ في مواطن اجتماعكم، وكبر عليكم تذكيري لكم { بِآيَاتِ ٱللَّه } التكوينية والتنزيلية، { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } هذه الجملة جواب الشرط، والمعنى إني لا أقابل ذلك منكم إلا بالتوكل على الله، فإن ذلك دأبي الذي أنا عليه قديماً وحديثاً. ويجوز أن يريد إحداث مرتبة مخصوصة عن مراتب التوكل، ويجوز أن يكون جواب الشرط { فَأَجْمِعُواْ } وجملة { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } اعتراض، كقولك إن كنت أنكرت عليّ شيئاً فالله حسبي. ومعنى { فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ } اعتزموا عليه، من أجمع الأمر إذا نواه وعزم عليه قاله الفراء وروي عن الفراء أنه قال أجمع الشيء أعدّه، وقال مؤرّج السدوسي أجمع الأمر أفصح من أجمع عليه، وأنشد
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوماً وأمري مجمع   
وقال أبو الهيثم أجمع أمره جعله جميعاً بعدما كان متفرّقاً، وتفرّقه أن تقول مرّة أفعل كذا، ومرّة أفعل كذا، فلما عزم على أمر واحد فقد جمعه أي جعله جميعاً، فهذا هو الأصل في الإجماع، ثم صار بمعنى العزم، وقد اتفق جمهور القراء على نصب «شركاءكم» وقطع الهمزة من أجمعوا. وقرأ يعقوب، وعاصم الجحدري بهمزة وصل في { أجمعوا } ، على أنه من جمع يجمع جمعاً. وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، ويعقوب «وشركاؤكم» بالرفع. قال النحاس وفي نصب الشركاء على قراءة الجمهور ثلاثة أوجه الأوّل بمعنى وادعوا شركاءكم، قاله الكسائي والفراء، أي ادعوهم لنصرتكم، فهو على هذا منصوب بفعل مضمر. وقال محمد بن يزيد المبرد هو معطوف على المعنى، كما قال الشاعر

السابقالتالي
2 3