الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

شرع الله سبحانه في شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد، ومن يؤمن به، وقدّم الطائفة التي لم تؤمن، لأن الكلام في هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه، ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حيّ طول حياته، فيتسبب عن إهمال النظر، والتفكر الصادق عدم الإيمان بالمعاد، ومعنى الرجاء هنا الخوف، ومنه قول الشاعر
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوبٍ عواسلِ   
وقيل { يرجون } يطمعون. ومنه قول الشاعر
أترجو بني مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا   
فالمعنى على الأوّل لا يخافون عقاباً. وعلى الثاني لا يطمعون في ثواب إذا لم يكن المراد باللقاء حقيقته، فإن كان المراد به حقيقته كان المعنى لا يخافون رؤيتنا، أو لا يطمعون في رؤيتنا. وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع، فيدخل تحته الخوف والطمع، فيكون المعنى { لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } لا يتوقعون لقاءنا، فهم لا يخافونه، ولا يطمعون فيه { وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي رضوا بها عرضاً عن الآخرة، فعملوا لها { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } أي سكنت أنفسهم إليها، وفرحوا بها { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ } لا يعتبرون بها، ولا يتفكرون فيها { أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ } أي مثواهم، ومكان إقامتهم النار، والإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة من عدم الرجاء، وحصول الرضا والاطمئنان، والغفلة { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي بسبب ما كانوا يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد. وأما حال الذين يؤمنون به، فقد بيّنه سبحانه بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي فعلوا الإيمان الذي طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم من التفكر والاعتبار، فيما تقدّم ذكره من الآيات { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } التي يقتضيها الإيمان. وهي ما شرعه الله لعباده المؤمنين { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أي يرزقهم الهداية بسبب هذا الإيمان المضموم إليه العمل الصالح، فيصلون بذلك إلى الجنة، وجملة { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } مستأنفة، أو خبر ثان، أو في محل نصب على الحال. ومعنى { من تحتهم } من تحت بساتينهم، أو من بين أيديهم لأنهم على سرر مرفوعة. وقوله { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } متعلق بتجري أو بـ { يهديهم } ، أو خبر آخر أو حال من { الأنهار }. قوله { دَعْوَاهُمْ } أي دعاؤهم ونداؤهم، وقيل الدعاء العبادة، كقوله تعالىوَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } مريم 48 وقيل معنى { دعواهم } هنا الادّعاء الكائن بين المتخاصمين، والمعنى أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله سبحانه من المعايب والإقرار له بالإلٰهية. قال القفال أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما، وقيل معناه طريقتهم وسيرتهم، وذلك أن المدّعي للشيء مواظب عليه، فيمكن أن تجعل الدعوى كناية عن الملازمة، وإن لم يكن في قوله { سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ } دعوى ولا دعاء وقيل معناه تمنيهم كقوله

السابقالتالي
2