الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

قوله { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ } هذا منه سبحانه تزييف لرأي الكفار في استعجال العذاب بعد التزييف الأوّل أي أخبروني إن أتاكم عذاب الله { بَيَاتًا } أي وقت بيات، والمراد به الوقت الذي يبيتون فيه، وينامون ويغفلون، عن التحرز، والبيات بمعنى التبييت اسم مصدر كالسلام بمعنى التسليم، وهو منتصب على الظرفية، وكذلك نهاراً أي وقت الاشتغال بطلب المعاش والكسب، والضمير في { منه } راجع إلى العذاب، وقيل راجع إلى الله، والاستفهام في { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } للإنكار المتضمن للنهي، كما في قولهأَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } النحل 1 ووجه الإنكار عليهم في استعجالهم أن العذاب مكروه تنفر منه القلوب، وتأباه الطبائع فما المقتضى لاستعجالهم له؟ والجملة المصدرة بالاستفهام جواب الشرط بحذف الفاء، وقيل إن الجواب محذوف، والمعنى تندموا على الاستعجال، أو تعرفوا الخطأ منكم فيه. وقيل إن الجواب قوله { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } وتكون جملة { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } اعتراضاً، والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان. والأوّل أولى. وإنما قال { يستعجل منه المجرمون } ، ولم يقل يستعجلون منه للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال، وهو الإجرام لأن من حقّ المجرم أن يخاف من العذاب بسبب إجرامه، فكيف يستعجله؟ كما يقال لمن يستوخم أمراً إذا طلبه ماذا تجني على نفسك. وحكى النحاس، عن الزجاج، أن الضمير في { مِنْهُ } إن عاد إلى العذاب كان لك في { مَاذَا } تقديران أحدهما أن تكون " ما " في موضع رفع بالابتداء، و " ذا " بمعنى الذي، وهو خبر ما، والعائد محذوف. والتقدير الآخر أن يكون { مَاذَا } اسماً واحداً في موضع رفع بالابتداء، والخبر ما بعده، وإن جعل الضمير في { مِنْهُ } عائداً إلى الله تعالى، كان { مَاذَا } شيئاً واحداً في موضع نصب بـ { يستعجل } ، والمعنى أيّ شيء يستعجل منه المجرمون أي من الله عزّ وجلّ. ودخول الهمزة الاستفهامية في { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ } على ثم كدخولها على الواو والفاء، وهي لإنكار إيمانهم، حيث لا ينفع الإيمان، وذلك بعد نزول العذاب، وهو يتضمن معنى التهويل عليهم، وتفظيع ما فعلوه في غير وقته، مع تركهم له في وقته الذي يحصل به النفع والدفع، وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به، وجيء بكلمة " ثم " التي للتراخي دلالة على الاستبعاد. وجيء بـ { إذا } مع زيادة ما للتأكيد دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته، ليكون في ذلك زيادة استجهال لهم، والمعنى أبعد ما وقع عذاب الله عليكم، وحلّ بكم سخطه وانتقامه آمنتم، حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئاً، ولا يدفع عنكم ضرّاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6