الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } * { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ }

لما بيّن فضائح المشركين أتبعها بإيراد الحجج الدامغة، من أحوال الرزق والحواس، والموت والحياة، والابتداء والإعادة، والإرشاد والهدى، وبنى سبحانه الحجج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسؤولين، ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس، فقال { قُلْ } يا محمد للمشركين احتجاجاً لحقية التوحيد، وبطلان ما هم عليه من الشرك { مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات والمعادن، فإن اعترفوا حصل المطلوب، وإن لم يعترفوا فلا بدّ أن يعترفوا بأن الله هو الذي خلقهما { أَم مَّنْ يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَـٰرَ } " أم " هي المنقطعة، وفي هذا انتقال من سؤال إلى سؤال، وخص السمع والبصر بالذكر، لما فيهما من الصنعة العجيبة، والقدرة الباهرة العظيمة، أي من يستطيع ملكهما وتسويتهما على هذه الصفة العجيبة، والخلقة الغريبة، حتى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم، ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين. ثم انتقل إلى حجة ثالثة، فقال { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } الإنسان من النطفة، والطير من البيضة، والنبات من الحبة، أو المؤمن من الكافر { يَخْرُجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } أي النطفة من الإنسان، أو الكافر من المؤمن، والمراد من هذا الاستفهام عمن يحيـي ويميت. ثم انتقل إلى حجة رابعة، فقال { وَمَن يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ } أي يقدّره ويقضيه، وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عمّ ما تقدّم وغيره { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } أي سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات إن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه، إن أنصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم، وارتفاع الاسم الشريف على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، أي الله يفعل ذلك، ثم أمره الله سبحانه بعد أن يجيبوا بهذا الجواب أن يقول لهم { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } والاستفهام للإنكار، والفاء للعطف على مقدّر أي تعلمون ذلك، أفلا تتقون وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذي يفعل هذه الأفعال. { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } أي فذلكم الذي يفعل هذه الأفعال هو ربكم المتصف بأنه الحق، لا ما جعلتموهم شركاء له، والاستفهام في قوله { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } للتقريع والتوبيخ، إن كانت " ما " استفهامية، لا إن كانت نافية كما يحتمله الكلام، والمعنى أيّ شيء بعد الحق إلا الضلال، فإن ثبوت ربوبية الربّ سبحانه حق بإقرارهم، فكان غيره باطلاً، لأن واجب الوجود يجب أن يكون واحداً في ذاته وصفاته { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } أي كيف تستجيزون العدول عن الحق الظاهر، وتقعون في الضلال إذ لا واسطة بينهما؟ فمن تخطى أحدهما وقع في الآخر، والاستفهام للإنكار والاستبعاد والتعجب { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق، كذلك حقت كلمة ربك أي حكمه وقضاؤه على الذين فسقوا أي خرجوا من الحق إلى الباطل، وتمرّدوا في كفرهم عناداً ومكابرة، وجملة { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بدل من الكلمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7