الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

قوله { فَمَنْ أَظْلَمُ } استفهام فيه معنى الجحد، أي لا أحد أظلم { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } الكذب، وزيادة { كَذِبًا } مع أن الافتراء لا يكون إلا كذباً لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه، فربما يكون الافتراء كذباً في الإسناد فقط، كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو، ذكر معنى هذا أبو السعود في تفسيره، قيل وهذا من جملة رده صلى الله عليه وسلم على المشركين لما طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن، أو يبدّله، فبين لهم أنه لو فعل ذلك لكان من الافتراء على الله، ولا ظلم يماثل ذلك، وقيل المفتري على الله الكذب هم المشركون، والمكذب بآيات الله هم أهل الكتاب { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته، أي لا يظفرون بمطلوب، ولا يفوزون بخير، والضمير في { إنه } للشأن، أي إن الشأن هذا. ثم نعى الله سبحانه عليهم عبادة الأصنام، وبين أنها لا تنفع من عبدها ولا تضرّ من لم يعبدها، فقال { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي متجاوزين الله سبحانه إلى عبادة غيره، لا بمعنى ترك عبادته بالكلية { مَالاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } أي ما ليس من شأنه الضرّر ولا النفع، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً لمن أطاعه معاقباً لمن عصاه، والواو لعطف هذه الجملة على جملة { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } و " ما " في { مَالاَ يَضُرُّهُمْ } موصولة أو موصوفة، والواو في { وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } للعطف على { وَيَعْبُدُونَ } زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله، فلا يعذبهم بذنوبهم. وهذا غاية الجهالة منهم، حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضرّ في الحال. وقيل أرادوا بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عنهم، فقال { قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } قرأ أبو السمال العدوي " تنبئون " بالتخفيف من أنبأنا ينبىء. وقرأ من عداه بالتشديد من نبأ ينبىء. والمعنى أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه يعبدون كما يعبد، أو أتخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه، والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكاً ولا شفيعاً بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في سمواته وفي أرضه؟ وهذا الكلام حاصله عدم وجود من هو كذلك أصلاً، وفي هذا من التهكم بالكفار مالا يخفى، ثم نزّه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم، وهو يحتمل أن يكون ابتداء كلام غير ادخل في الكلام الذي أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب به عليهم، ويحتمل أن يكون من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم جواباً عليهم.

السابقالتالي
2