الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد، ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا. قال القفال لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب، فبيّن الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشرّ إليهم، فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن، قيل معنى { وَلَوْ يُعَجّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُم بِٱلْخَيْرِ } لو عجل الله للناس العقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير { لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } أي ماتوا. وقيل المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم. وقيل الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث، وما يترتب عليه. قال في الكشاف وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير، إشعاراً بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له. والمراد أهل مكة، وقولهمفَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } الأنفال 32 الآية. قيل والتقدير ولو يعجل الله لهم الشرّ عند استعجالهم به تعجيلاً مثل تعجيله لهم بالخير عند استعجالهم به، فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه. قال أبو عليّ الفارسي في الكلام حذف، والتقدير { وَلَوْ يُعَجّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ } تعجيلاً مثل { ٱسْتِعْجَالَهُم بِٱلْخَيْرِ } ثم حذف تعجيلاً وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال هذا مذهب الخليل وسيبويه، وهو قول الأخفش والفرّاء، قالوا وأصله كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء كما تقول ضربت زيداً ضربك، أي كضربك، ومعنى { لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } لأهلكوا، ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشرّ فأمهلوا. وقيل معناه أميتوا. وقرأ ابن عامر «لقضى» على البناء للفاعل، وهي قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله { وَلَوْ يُعَجّلُ ٱللَّهُ } قوله { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } الفاء للعطف على مقدّر يدلّ عليه الكلام، لأن قوله { وَلَوْ يُعَجّلُ ٱللَّهُ } يتضمن نفي التعجيل، فكأنه قيل لكن لا يعجل لهم الشرّ، ولا يقضي إليهم أجلهم، فنذرهم الخ أي فنتركهم ونمهلهم، والطغيان التطاول، وهو العلوّ والارتفاع، ومعنى { يَعْمَهُونَ } يتحيرون، أي نتركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم، وعدم قبولهم للحق استدراجاً لهم منه سبحانه وخذلاناً. ثم بيّن الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشرّ، ولو أصابهم ما طلبوه لأظهروا العجز والجزع، فقال { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ } أي هذا الجنس الصادق على كل ما يحصل التضرر به { دَعَانَا لِجَنبِهِ } اللام للوقت، كقوله جئته لشهر كذا، أو في محل نصب على الحال بدلالة عطف قاعداً أو قائماً عليه، وتكون اللام بمعنى على أي دعانا مضطجعاً { أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } وكأنه قال دعانا في جميع الأحوال المذكورة وغيرها، وخصّ المذكورة بالذكر لأنها الغالب على الإنسان، وما عداها نادر كالركوع والسجود، ويجوز أن يراد أنه يدعو الله حال كونه مضطجعاً غير قادر على القعود، وقاعداً غير قادر على القيام، وقائماً غير قادر على المشي، والأوّل أولى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6