الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

قوله { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } لما بين سبحانه أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئة الله، أمر بالنظر والاستدلال بالدلائل السماوية والأرضية، والمراد بالنظر التفكر والاعتبار، أي قل يا محمد للكفار تفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من المصنوعات الدالة على الصانع ووحدته، وكمال قدرته. و { ماذا } مبتدأ، وخبره { في السموات والأرض }. أو المبتدأ " ما " ، و " ذا " بمعنى الذي، و { في السموات والأرض } صلته، والموصول وصلته خبر المبتدأ، أي أيّ شيء الذي في السموات والأرض، وعلى التقديرين فالجملة في محل نصب بالفعل الذي قبلها. ثم ذكر سبحانه أن التفكر والتدبر في هذه الدلائل لا ينفع في حق من استحكمت شقاوته، فقال { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ } أي ما تنفع على أن ما نافية، ويجوز أن تكون استفهامية أي أيّ شيء ينفع، والآيات هي التي عبر عنها بقوله { مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } والنذر جمع نذير، وهم الرسل أو جمع إنذار، وهو المصدر { عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } في علم الله سبحانه والمعنى أن من كان هكذا لا يجدى فيه شيء، ولا يدفعه عن الكفر دافع. قوله { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } أي فهل ينتظر هؤلاء الكفار المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم إلا مثل وقائع الله سبحانه بالكفار الذين خلوا من قبل هؤلاء، فقد كان الأنبياء المتقدّمون يتوعدون كفار زمانهم بأيام مشتملة على أنواع العذاب، وهم يكذبونهم ويصممون على الكفر، حتى ينزل الله عليهم عذابه، ويحلّ بهم انتقامه، ثم قال { قُلْ } يا محمد لهؤلاء الكفار المعاصرين لك { فَٱنتَظِرُواْ } أي تربصوا لوعد ربكم، إني معكم من المتربصين لوعد ربي، وفي هذا تهديد شديد، ووعيد بالغ بأنه سينزل بهؤلاء ما نزل بأولئك من الإهلاك، وثم في قوله { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا } للعطف على مقدّر يدلّ عليه ما قبله، كأنه قيل أهلكنا الأمم ثم نجينا رسلنا المرسلين إليهم. وقرأ يعقوب ثم «ننجى» مخففاً. وقرأ كذلك أيضاً في { حَقّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. وروي كذلك عن الكسائي وحفص في الثانية. وقرأ الباقون بالتشديد، وهما لغتان فصيحتان أنجى ينجى إنجاء، ونجى ينجى تنجية بمعنى واحد { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } معطوف على رسلنا أي نجيناهم ونجينا الذين آمنوا، والتعبير بلفظ الفعل المستقبل لاستحضار صورة الحال الماضية تهويلاً لأمرها { كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا } أي حق ذلك علينا حقاً، أو إنجاء مثل ذلك الانجاء حقاً { نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من عذابنا للكفار، والمراد بالمؤمنين الجنس، فيدخل في ذلك الرسل وأتباعهم، أو يكون خاصاً بالمؤمنين، وهم أتباع الرسل لأن الرسل داخلون في ذلك بالأولى.

السابقالتالي
2 3 4