الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

يخبر تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجلإِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } الدخان3 وهي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان كما قال تعالىشَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 قال ابن عباس وغيره أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها فقال { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }. قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية، فقال سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين فقال لا تؤنبني رحمك الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلمأري بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلتإِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } الكوثر1 يا محمد يعني نهراً في الجنة، ونزلت { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يملكها بعدك بنو أمية يا محمد قال القاسم فعددنا، فإذا هي ألف شهر، لا تزيد يوماً ولا تنقص. ثم قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل، هو ثقة وثقه، يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، قال وشيخه يوسف بن سعد، ويقال يوسف بن مازن، رجل مجهول، ولا يعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن به، وقول الترمذي إن يوسف هذا مجهول، فيه نظر، فإنه قد روى عنه جماعة، منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال هو ثقة. ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن، كذا قال، وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث، والله أعلم، ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جداً، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي هو حديث منكر. قلت وقول القاسم بن الفضل الحداني إنه حسب مدة بني أمية، فوجدها ألف شهر، لا تزيد يوماً ولا تنقص، ليس بصحيح، فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين، واجتمعت البيعة لمعاوية، وسمي ذلك عام الجماعة، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريباً من تسع سنين، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية، بل عن بعض البلاد، إلى أن استلبهم بنو العباس الخلاقة في سنة اثنتين وثلاثين ومئة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير، وعلى هذا فيقارب ما قاله الصحة في الحساب، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد