الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

ثم بين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به، ومنه ما هو عارض بسبب مرض عنّ له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقره لا يقدر على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس، ولم يثبطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا، ولهذا قال { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقال سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة رضي الله عنه قال قال الحواريون يا روح الله أخبرنا عن الناصح لله؟ قال الذي يؤثر حق الله على حق الناس، وإذا حدث له أمران، أو بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة، بدأ بالذي للآخرة، ثم تفرغ للذي للدنيا. وقال الأوزاعي خرج الناس إلى الاستسقاء، فقام فيهم بلال بن سعد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة؟ قالوا اللهم نعم، فقال اللهم إنا نسمعك تقول { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } اللهم وقد أقررنا بالإساءة، فاغفر لنا، وارحمنا، واسقنا، ورفع يديه، ورفعوا أيديهم فسقوا. وقال قتادة نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو المزني. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي، حدثنا ابن جابر عن ابن فروة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أكتب براءة، فإني لواضع القلم على أذني، إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } الآية. وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل بن مقرن المزني فقالوا يارسول الله احملنا فقال لهم " والله لا أجد ما أحملكم عليه " فتولوا وهم يبكون، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملاً. فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } إلى قوله { فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }. وقال مجاهد في قوله { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } نزلت في بني مقرن من مزينة، وقال محمد بن كعب كانوا سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير، ومن بني واقف حرمي بن عمرو، ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب، ويكنى أبا ليلى، ومن بني المعلى سلمان بن صخر، ومن بني حارثة، عبد الرحمن بن يزيد أبو عبلة، وهو الذي تصدق بعرضه، فقبله الله منه، ومن بني سَلِمة عمرو بن عنمة، وعبد الله بن عمرو المزني، وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير، وعلبة بن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار، وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة، وعبد الله بن المغفل المزني، وبعض الناس يقول بل هو عبد الله بن عمرو المزني، وهَرَميّ بن عبد الله أخو بني واقف، وعِرْباض بن سارية الفزاري، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة، فقال { لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }.

السابقالتالي
2