الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

وهذا أيضاً من صفات المنافقين، لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل، قالوا هذا مُراءٍ، وإن جاء بشيء يسير، قالوا إن الله لغني عن صدقة هذا كما روى البخاري حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا أبو النعمان البصري، حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن أبي مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت آية الصدقة، كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزلت { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ } الآية. وقد رواه مسلم أيضاً في صحيحه من حديث شعبة به، وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد، حدثنا الجريري عن أبي السليل قال وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع، فقال حدثني أبي أو عمي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، وهو يقول " من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة؟ " قال فحللت من عمامتي لوثاً أو لوثين، وأنا أريد أن أتصدق بهما، فأدركني ما يدرك ابن آدم، فعقدت على عمامتي، فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلاً أشد منه سواداً، ولا أصغر منه ولا آدم، ببعير ساقه لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها، فقال يا رسول الله أصدقة؟ قال " نعم " قال دونك هذه الناقة، قال فلمزه رجل فقال هذا يتصدق بهذه، فوالله لهي خير منه. قال فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كذبت، بل هو خير منك ومنها " ثلاث مرات، ثم قال " ويل لأصحاب المئين من الإبل " ثلاثاً، قالوا إلا من يا رسول الله؟ قال " إلا من قال بالمال هكذاوهكذا " وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شماله، ثم قال " قد أفلح المزهد المجهد " ثلاثاً. المزهد في العيش، المجهد في العبادة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء، وقالوا إن الله ورسوله لغنيان عن هذا الصاع. وقال العوفي عن ابن عباس إن رسول الله خرج إلى الناس يوماً، فنادى فيهم أن اجمعوا صدقاتكم، فجمع الناس صدقاتهم، ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر، فقال يا رسول الله هذا صاع من تمر، بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما، وأتيتك بالآخر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات، فسخر منه رجال، وقالوا إن الله ورسوله لغنيان عن هذا، وما يصنعون بصاعك من شيء؟ ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل بقي أحد من أهل الصدقات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3