الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات، بين تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره، فجزأها لهؤلاء المذكورين كما رواه الإمام أبو داود في سننه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه ضعف، عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة، فقال له " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك " وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية، هل يجب استيعاب الدفع لها، أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين أحدهما أنه يجب ذلك، وهو قول الشافعي وجماعة. والثاني أنه لا يجب استيعابها، بل يجوز الدفع إلى واحد منها، ويعطى جميع الصدقة مع وجود الباقين، وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف، منهم عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران، قال ابن جرير وهو قول جماعة عامة من أهل العلم، وعلى هذا فإنما ذكرت الأصناف ههنا لبيان المصرف، لا لوجوب استيعاب الإعطاء. ولوجوه الحجاج والمآخذ مكان غير هذا، والله أعلم، وإنما قدم الفقراء ههنا على البقية لأنهم أحوج من غيرهم على المشهور، ولشدة فاقتهم وحاجتهم، وعند أبي حنيفة أن المسكين أسوأ حالاً من الفقير، وهو كما قال أحمد. وقال ابن جرير حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، أنبأنا ابن عون عن محمد قال قال عمر رضي الله عنه الفقير ليس بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلق الكسب. قال ابن علية الأخلق المحارَفُ عندنا، والجمهور على خلافه، وروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وابن زيد. واختار ابن جرير وغير واحد أن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً، والمسكين هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس. وقال قتادة الفقير من به زمانة، والمسكين الصحيح الجسم. وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم هم فقراء المهاجرين، قال سفيان الثوري يعني ولا يعطى الأعراب منها شيئاً وكذا روي عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى. وقال عكرمة لا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، إنما المساكين أهل الكتاب. ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الأصناف الثمانية. فأما الفقراء، فعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي " رواه أحمد وأبو داود والترمذي، ولأحمد أيضاً والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة مثله وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر، فرآهما جلدين، فقال

السابقالتالي
2 3 4