الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

قال سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } أول ما نزل من سورة براءة، وقال معتمر بن سليمان عن أبيه قال زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناساً كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلاً وكبيراً فيقول إني لا آثم، فأنزل الله { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } الآية، أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره، والعسر واليسر، فقال { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً }. وقال علي بن زيد عن أنس عن أبي طلحة كهولاً وشباباً، ما سمع الله عذر أحد، ثم خرج إلى الشام، فقاتل حتى قتل. وفي رواية قرأ أبو طلحة سورة براءة، فأتى على هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فقال أرى ربنا استنفرنا شيوخاً وشباناً، جهزوني يا بني، فقال بنوه يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى، فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير، فدفنوه فيها. وهكذا روي عن ابن عباس وعكرمة وأبي صالح والحسن البصري وسهيل بن عطية ومقاتل بن حيان والشعبي وزيد بن أسلم أنهم قالوا في تفسير هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } كهولاً وشباناً. وكذا قال عكرمة والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرواحد، وقال مجاهد شباناً وشيوخاً، وأغنياء ومساكين. وكذا قال أبو صالح وغيره. وقال الحكم بن عتيبة مشاغيل وغير مشاغيل، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } يقول انفروا نشاطاً وغير نشاط، وكذا قال قتادة. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } قالوا فإن فينا الثقيل، وذا الحاجة والضيعة والشغل والمتيسر به أمره، فأنزل الله، وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا { خِفَافًا وَثِقَالاً } أي على ما كان منهم. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضاً في العسر واليسر. وهذا كله من مقتضيات العموم في الآية، وهذا اختيار ابن جرير. وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي إذا كان النفير إلى دروب الروم، نفر الناس إليها خفافاً وركباناً، وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافاً وثقالاً، وركباناً ومشاة، وهذا تفصيل في المسألة. وقد روي عن ابن عباس ومحمد بن كعب وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالىفَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } التوبة 122 وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله، وقال السدي قوله { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } يقول غنياً وفقيراً، وقوياً وضعيفاً، فجاءه رجل يومئذ - زعموا أنه المقداد وكان عظيماً سميناً - فشكا إليه، وسأله أن يأذن له، فأبى، فنزلت يومئذ { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } فلما نزلت هذه الآية، اشتد على الناس، فنسخها الله فقال

السابقالتالي
2