الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

يقول تعالى يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب { أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } أي ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفىء شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يتم ويظهر، ولهذا قال تعالى مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } والكافر هو الذي يستر الشيء ويغطيه، ومنه سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء، والزارع كافراً لأنه يغطي الحب في الأرض كما قالأَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } الحديد 20، ثم قال تعالى { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ } فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع، ودين الحق هي الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة. { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } أي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " ، وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن أبي يعقوب، سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول صلى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلوا، قال شاب منهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " ، وقال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان، حدثنا سليم بن عامر عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، يعز عزيزاً ويذل ذليلاً بعز عزيز، أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر " فكان تميم الداري يقول قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافراً منهم الذل والصغار والجزية. وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني ابن جابر، سمعت سليم بن عامر قال سمعت المقداد بن الأسود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر، إلا دخلته كلمة الإسلام، يعز عزيزاً، ويذل ذليلاً، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها "

السابقالتالي
2