الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

يقول تعالى وإعلام { مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وتقدم، وإنذار إلى الناس { يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك، وأظهرها وأكثرها جمعاً { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } أي بريء منهم أيضاً، ثم دعاهم إلى التوبة إليه، فقال { فَإِن تُبْتُمْ } أي مما أنتم فيه من الشرك والضلال { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي استمررتم على ما أنتم عليه، { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ } بل هو قادر عليكم، وأنتم في قبضته وتحت قهره ومشيئته، { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي في الدنيا بالخزي والنكال، وفي الآخرة بالمقامع والأغلال، قال البخاري رحمه الله حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين الذين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، فأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة، وأن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ورواه البخاري أيضاً حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل الأكبر، من أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك، هذا لفظ البخاري في كتاب الجهاد. وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال لما كان النبي صلى الله عليه وسلم زمن حنين، اعتمر من الجعرانة، ثم أمّر أبا بكر على تلك الحجة، قال معمر قال الزهري وكان أبو هريرة يحدث أن أبا بكر أمر أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر، قال أبو هريرة ثم أتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم علياً، وأمره أن يؤذن ببراءة، وأبو بكر على الموسم كما هو، أو قال على هيئته. وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد، فأما أبو بكر إنما كان أميراً سنة تسع. وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن مغيرة عن الشعبي عن محرّر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فقال ما كنتم تنادون؟ قال كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فإن أجله أو مدته إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله بريء من المشركين، ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد عامنا هذا مشرك، قال فكنت أنادي حتى صحل صوتي، وقال الشعبي حدثني محرِّر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ينادي، فكان إذا صحل ناديت، فقلت بأي شيء كنتم تنادون؟ قال بأربع لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6