الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال البخاري حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول آخر آية نزلتيَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } النساء 176 وآخر سورة نزلت براءة، وإنما لم يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام، بل اقتدوا في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، كما قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدي، وسهيل بن يوسف، قالوا حدثنا عوف بن أبي جميلة، أخبرني يزيد الفارسي، أخبرني ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين، وقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان، وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء، دعا بعض من كان يكتب، فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا نزلت عليه الآية قال ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال، وكذا رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه من طرق أخر عن عوف الأعرابي به، وقال الحاكم صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك، وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة، فكره مخالطتهم، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميراً على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، فلما قفل، أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له كما سيأتي بيانه. فقوله تعالى { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي هذه براءة، أي تبرؤ من الله ورسوله { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } اختلف المفسرون ههنا اختلافاً كثيراً، فقال قائلون هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة، أو من له عهد دون أربعة أشهر، فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقت، فأجله إلى مدته مهما كان لقوله تعالى

السابقالتالي
2