الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة { ٱلتَّـٰئِبُونَ } من الذنوب كلها، التاركون للفواحش { ٱلْعَـٰبِدُونَ } أي القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها، وهي الأقوال والأفعال، فمن أخص الأقوال الحمد، فلهذا قال { ٱلْحَـٰمِدُونَ } ومن أفضل الأعمال الصيام، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع، وهو المراد بالسياحة ههنا، ولهذا قال { ٱلسَّـٰئِحُونَ } كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالىسَائِحَاتٍ } التحريم 5 أي صائمات، وكذا الركوع والسجود، وهما عبارة عن الصلاة، ولهذا قال { ٱلرَٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدونَ } وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه علماً وعملاً، فقاموا بعبادة الحق، ونصح الخلق، ولهذا قال { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، لأن الإيمان يشمل هذا كله، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به. بيان أن المراد بالسياحة الصيام قال سفيان الثوري عن عاصم عن زِرّ عن عبد الله بن مسعود قال { ٱلسَّـٰئِحُونَ } الصائمون، وكذا روي عن سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كل ما ذكر الله في القرآن السياحة هم الصائمون، وكذا قال الضحاك رحمه الله، وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو أحمد، حدثنا إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت سياحة هذه الأمة الصيام، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأبو عبد الرحمن السلمي والضحاك بن مزاحم وسفيان بن عيينة وغيرهم أن المراد بالسائحين الصائمون، وقال الحسن البصري { ٱلسَّـٰئِحُونَ } الصائمون شهر رمضان، وقال أبو عمرو العبدي { ٱلسَّـٰئِحُونَ } الذين يديمون الصيام من المؤمنين، وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا، وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا حكيم بن حزام، حدثنا سليمان عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السائحون هم الصائمون " وهذا الموقوف أصح، وقال أيضاً حدثني يونس عن ابن وهب عن عمر بن الحارث عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير، قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين، فقال " هم الصائمون " وهذا مرسل جيد، وهذا أصح الأقوال وأشهرها. وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد، وهو ما روى أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلاً قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله "

السابقالتالي
2