الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }

يخبر تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقون، وفي أهل المدينة أيضاً منافقون { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنَّفَاقِ } أي مرنوا واستمروا عليه، ومنه يقال شيطان مريد، ومارد، ويقال تمرد فلان على الله، أي عتا وتجبر، وقوله { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } لا ينافي قوله تعالىوَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } محمد 30 لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً، وإن كان يراه صباحاً ومساء، وشاهد هذا بالصحة ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن رجل عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال قلت يا رسول الله إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة، فقال " لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب " وأصغى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه، فقال " إن في أصحابي منافقين " ومعناه أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلام بما لا صحة له، ومن مثلهم صدر هذا الكلام الذي سمعه جبير بن مطعم، وتقدم في تفسير قولهوَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } التوبة 74 أنه صلى الله عليه وسلم أعلم حذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقاً، وهذا تخصيص لا يقتضي أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم، والله أعلم. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عمر البيروتي من طريق هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، حدثني شيخ ببيروت يكنى أبا عمر، أظنه حدثني عن أبي الدرداء أن رجلاً يقال له حرملة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الإيمان ههنا، وأشار بيده إلى لسانه، والنفاق ههنا، وأشار بيده إلى قلبه، ولم يذكر الله إلا قليلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعل له لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وارزقه حبي وحب من يحبني، وصير أمره إلى خير " فقال يا رسول الله إنه كان لي أصحاب من المنافقين، وكنت رأساً فيهم، أفلا آتيك بهم؟ قال " من أتانا استغفرنا له، ومن أصر فالله أولى به، ولا تخرقن على أحد ستراً " ، قال وكذا رواه أبو أحمد الحاكم عن أبي بكر الباغندي عن هشام بن عمار به، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة في هذه الآية أنه قال ما بال أقوام يتكلفون علم الناس، فلان في الجنة، وفلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري، لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأحوال الناس، ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفه الأنبياء قبلك، قال نبي الله نوح عليه السلام

السابقالتالي
2