الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة، فقال تعالى { كَلاَّ } أي حقاً { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } أي وطئت ومهدت، وسويت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربهم { وَجَآءَ رَبُّكَ } يعني لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله وسلامه عليه، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحد، فكلهم يقول لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول " أنا لها، أنا لها " فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفعه الله تعالى في ذلك. وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان، فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً. وقوله تعالى { وَجِىۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله، هو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمر بن حفص به. ورواه أيضاً عن عبد بن حميد عن أبي عامر عن سفيان الثوري عن العلاء بن خالد عن شقيق بن سلمة، وهو أبو وائل، عن عبد الله بن مسعود قوله، ولم يرفعه، وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة عن مروان بن معاوية الفزاري عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله قوله. وقوله تعالى { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ } أي عمله، وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه { وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ }؟ أي وكيف تنفعه الذكرى؟ { يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي، إن كان عاصياً، ويود لو كان ازداد من الطاعات، إن كان طائعاً كما قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، يعني ابن المبارك، حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لو أن عبداً خرَّ على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في طاعة الله، لحقره يوم القيامة، ولودَّ أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب. قال الله تعالى { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي ليس أحد أشد عذاباً من تعذيب الله من عصاه، { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } أي وليس أحد أشد قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل، وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين، فأما النفس الزكية المطمئنة، وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق، فيقال لها { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ } أي إلى جواره وثوابه، وما أعد لعباده في جنته { رَاضِيَةً } أي في نفسها { مَّرْضِيَّةً } أي قد رضيت عن الله، ورضي عنها وأرضاها، { فَٱدْخُلِى فِى عِبَادِى } أي في جملتهم، { وَٱدْخُلِى جَنَّتِى } وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضاً كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره، وعند قيامه من قبره، فكذلك ههنا.

السابقالتالي
2 3