الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } * { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } * { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

يقول تعالى حقاً { إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ } أي إن مصيرهم ومأواهم لفي سجين، فعيل، من السجن، وهو الضيق، كما يقال فسيق وشريب وخمير وسكير، ونحو ذلك، ولهذا عظم أمره فقال تعالى { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ }؟ أي هو أمر عظيم، وسجن مقيم، وعذاب أليم، ثم قد قال قائلون هي تحت الأرض السابعة، وقد تقدم في حديث البراء بن عازب في حديثه الطويل يقول الله عز وجل في روح الكافر اكتبوا كتابه في سجين. وسجين هي تحت الأرض السابعة، وقيل صخرة تحت الأرض السابعة خضراء، وقيل بئر في جهنم، وقد روى ابن جرير في ذلك حديثاً غريباً منكراً لا يصح، فقال حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الواسطي عن شعيب بن صفوان عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الفلق جب في جهنم، مغطى، وأما سجين، فمفتوح " والصحيح أن سجيناً مأخوذ من السجن، وهو الضيق، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، وكل ما تعالى منها اتسع، فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها، حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة، ولما كان مصير الفجار إلى جهنم، وهي أسفل السافلين كما قال تعالىثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } التين 5 ــــ 6 وقال ههنا { كَلاَّ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالىوَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } الفرقان 13. وقوله تعالى { كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } ليس تفسيراً لقوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ }؟ وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين، أي مرقوم مكتوب مفروغ منه، لا يزاد فيه أحد، ولا ينقص منه أحد، قاله محمد بن كعب القرظي. ثم قال تعالى { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين، وقد تقدم الكلام على قوله ويل، بما أغنى عن إعادته، وأن المراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال ويل لفلان، وكما جاء في المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس، ويل له، ويل له " ثم قال تعالى مفسراً للمكذبين الفجار الكفرة { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي لا يصدقون بوقوعه، ولا يعتقدون كونه، ويستبعدون أمره، قال الله تعالى { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام، والمجاوزة في تناول المباح، والأثيم في أقواله إن حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر.

السابقالتالي
2 3