الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

قال الإمام أبو جعفر الطبري اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } ، فقال بعضهم شبه به في الصلاح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم وإصلاحهم ذات بينهم وطاعتهم لله ورسوله، ثم روي عن عكرمة نحو هذا، ومعنى هذا أن الله تعالى يقول كما أنكم لما اختلفتم في المغانم، وتشاححتم فيها، فانتزعها الله منكم، وجعلها إلى قسمه، وقسم رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمها على العدل والتسوية، فكان هذا هو المصلحة التامة لكم، وكذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة، وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم، وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد رشداً وهدى، ونصراً وفتحاً، كما قال تعالىكُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 216 قال ابن جرير وقال آخرون معنى ذلك { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } ، على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم. ثم روي عن مجاهد نحوه أنه قال { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } قال كذلك يجادلونك في الحق، وقال السدي أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه، فقال { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَـِّرِهُونَ } لطلب المشركين { يُجَـٰدِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } وقال بعضهم يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر، فقالوا أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له. قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالباً لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش، فاستنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من خف منهم، فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، وطلب نحو الساحل من على طريق بدر، وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، فبعث ضمضم بن عمرو نذيراً إلى أهل مكة، فنهضوا في قريب من ألف مقنع ما بين التسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر، فنجا، وجاء النفير، فوردوا ماء بدر، وجمع الله بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين، ونصرهم على عدوهم، والتفرقة بين الحق والباطل كما سيأتي بيانه، والغرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج النفير، أوحى الله إليه يعده إحدى الطائفتين إما العير، وإما النفير، ورغب كثير من المسلمين إلى العير لأنه كسب بلا قتال كما قال تعالى { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران، حدثه أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة

السابقالتالي
2 3 4 5