الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }

يقول تعالى ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار، لرأيت أمراً عظيماً هائلاً فظيعاً منكراً، إذ { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } ويقولون لهم { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } ، قال ابن جريج عن مجاهد { أَدْبَـٰرَهُمْ } أستاههم، قال يوم بدر. قال ابن جريج قال ابن عباس إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين، ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولوا، أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله { إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } يوم بدر، وقال وكيع عن سفيان الثوري عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير عن مجاهد، وعن شعبة عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، يضربون وجوههم وأدبارهم، قال وأستاههم، ولكن الله يَكْني، وكذا قال عمر مولى غُفْرَة. وعن الحسن البصري قال قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك، قال " ذاك ضرب الملائكة " رواه ابن جرير، وهو مرسل، وهذا السياق وإن كان سببه وقعة بدر، ولكنه عام في حق كل كافر، ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر، بل قال تعالى { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } وفي سورة القتال مثلها، وتقدم في سورة الأنعام قوله تعالىوَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنفُسَكُمُ } الأنعام 93 أي باسطو أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهم، إذ استصعبت أنفسهم، وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهراً، وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من الله كما في حديث البراء أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة، يقول اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم وظل من يحموم، فتتفرق في بدنه، فيستخرجونها من جسده، كما يخرج السفود من الصوف المبلول، فتخرج معها العروق والعصب، ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم ذوقوا عذاب الحريق، وقوله تعالى { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة في حياتكم الدنيا، جازاكم الله بها هذا الجزاء، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي لا يظلم أحداً من خلقه، بل هو الحكم العدل الذي لا يجور، تبارك وتعالى، وتقدس وتنزه، الغني الحميد، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، عند مسلم رحمه الله، من رواية أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يقول يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيراً، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه " ولهذا قال تعالى