الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله، وكثرة ذكره، ناهياً لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم بطراً، أي دفعاً للحق، { وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } وهو المفاخرة والتكبر عليهم، كما قال أبو جهل لما قيل له إن العير قد نجا، فارجعوا، فقال لا، والله لا نرجع، حتى نرد ماء بدر، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبداً، فانعكس ذلك عليه أجمع لأنهم لما وردوا ماء بدر، وردوا به الحمام، ورُمُوا في أطواء بدر مهانين أذلاء، صغرة أشقياء في عذاب سرمدي أبدي، ولهذا قال { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } أي عالم بما جاؤوا به وله، ولهذا جازاهم عليه شر الجزاء لهم. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي في قوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } قالوا هم المشركون الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وقال محمد بن كعب لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } وقوله تعالى { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } الآية، حسن لهم - لعنه الله - ما جاؤوا له، وما هموا به، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر، فقال إني جار لكم، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، سيد بني مدلج كبير تلك الناحية، وكل ذلك منه كما قال تعالى عنهيَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } النساء 120 قال ابن جريج قال ابن عباس في هذه الآية لما كان يوم بدر، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم، وأني جارلكم، فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة، { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } قال رجع مدبراً، وقال { إِنِّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } الآية. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل من بني مدلج، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم، فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع يده، ثم ولى مدبراً وشيعته، فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب، وذلك حين رأى الملائكة.

السابقالتالي
2 3 4