الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }

يقول تعالى مخبراً عن يوم الفرقان { إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } أي إذ أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة، { وَهُمْ } أي المشركون نزول { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } أي البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة، { وَٱلرَّكْبُ } أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة، { أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي مما يلي سيف البحر، { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ } أي أنتم والمشركون إلى مكان { لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَـٰدِ } ، قال محمد بن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، في هذه الآية، قال ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم، ما لقيتموهم { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } أي ليقضي الله ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، من غير ملأ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه. وفي حديث كعب بن مالك قال إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. وقال ابن جرير حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، عن ابن عون عن عمير بن إسحاق، قال أقبل أبو سفيان في الركب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولاهؤلاء بهؤلاء، حتى التقى السقاة، ونهد الناس بعضهم لبعض. وقال محمد بن إسحاق في السيرة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه ذلك، حتى إذا كان قريباً من الصفراء، بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين، يلتمسان الخبر عن أبي سفيان، فانطلقا حتى إذا وردا بدراً، فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء، فاستقيا في شن لهما من الماء، فسمعا جاريتين تختصمان، تقول إحداهما لصاحبتها اقضيني حقي، وتقول الأخرى إنما تأتي العير غداً أو بعد غد، فأقضيك حقك، فخلص بينهما مجدي بن عمرو، وقال صدقت، فسمع بذلك بسبس وعدي، فجلسا على بعيريهما حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه الخبر، وأقبل أبو سفيان حين وليا، وقد حذر، فتقدم أمام عيره، وقال لمجدي بن عمرو هل أحسست على هذا الماء من أحد تنكره؟ فقال لا والله إلا أني قد رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل، فاستقيا من شن لهما، ثم انطلقا، فجاء أبو سفيان إلى مناخ بعيريهما، فأخذ من أبعارهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال هذه والله علائف يثرب، ثم رجع سريعاً، فضرب وجه عيره، فانطلق بها فسَاحَل، حتى إذا رأى أنه قد أحرز عيره، بعث إلى قريش فقال إن الله قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم، فارجعوا، فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نأتي بدراً - وكانت بدر سوقاً من أسواق العرب - فنقيم بها ثلاثاً، فنطعم بها الطعام، وننحر بها الجزر، ونُسْقَى بها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبداً.

السابقالتالي
2 3