الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

يقول تعالى متوعداً على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي تقاربتم منهم، ودنوتم إليهم، { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي تفروا وتتركوا أصحابكم، { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } أي يفر بين يدي قرنه مكيدة ليريه أنه قد خاف منه، فيتبعه ثم يكر عليه فيقتله، فلا بأس عليه في ذلك، نص عليه سعيد بن جبير والسدي، وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها، { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } أي فر من ها هنا إلى فئة أخرى من المسلمين، يعاونهم ويعاونونه، فيجوز له ذلك، حتى لو كان في سرية، ففر إلى أميره، أو الإمام الأعظم، دخل في هذه الرخصة. قال الإمام أحمد حدثنا حسن، حدثنا زهير، حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص، فقلنا كيف نصنع، وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة، فبتنا، ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة، وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال " من القوم؟ " فقلنا نحن الفرارون، فقال " لا، بل أنتم العكارون، أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين " قال فأتيناه حتى قبلنا يده. وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن يزيد بن أبي زياد. وقال الترمذي حسن، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زياد. ورواه ابن أبي حاتم من حديث يزيد بن أبي زياد به، وزاد في آخره وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } قال أهل العلم معنى قوله «العكارون» أي العطافون، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أبي عبيد لما قتل على الجسر بأرض فارس لكثرة الجيش من ناحية المجوس، فقال عمر لو تحيز إلي، لكنت له فئة. هكذا رواه محمد بن سيرين عن عمر. وفي رواية أبي عثمان النهدي عن عمر قال لما قتل أبو عبيد، قال عمر أيها الناس أنا فئتكم. وقال مجاهد قال عمر أنا فئة كل مسلم، وقال عبد الملك بن عمير عن عمر أيها الناس لا تغرنكم هذه الآية، فإنما كانت يوم بدر، وأنا فئة لكل مسلم، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا حسان بن عبد الله المصري، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، حدثنا نافع أنه سأل ابن عمر، قلت إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا، ولا ندري من الفئة، إمامنا أو عسكرنا؟ فقال إن الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن الله يقول { إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } الآية، فقال إنما أنزلت هذه الآية في يوم بدر، لا قبلها ولا بعدها، وقال الضحاك في قوله { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } المتحيز الفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه، فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب، فإنه حرام وكبيرة من الكبائر لما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3