يذكرهم الله تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أماناً أمنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد كما قال تعالى{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } آل عمران 154 الآية، قال أبو طلحة كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مراراً، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحجف، وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير، حدثنا ابن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي رضي الله عنه قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلاّ نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح. وقال سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان، وقال قتادة النعاس في الرأس، والنوم في القلب، قلت أما النعاس فقد أصابهم يوم أحد، وأمر ذلك مشهور جداً، وأما الآية الشريفة إنما هي في سياق قصة بدر، وهي دالة على وقوع ذلك أيضاً، وكأن ذلك كائن للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله، وهذا من فضل الله ورحمته بهم، ونعمته عليهم، وكما قال تعالى{ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ } الشرح5-6 ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق رضي الله عنه، وهما يدعوان، أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم، ثم استيقظ مبتسماً فقال " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع " ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى{ سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } القمر 45. وقوله { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر - والمشركون بينهم وبين الماء - رملة دعصة، وأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون أنكم أولياء الله تعالى، وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطراً شديداً، فشرب المسلمون، وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجس الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة.