الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً }

يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير، وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالىإِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِىۤ أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } غافر 71 ــــ 72 ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير، قال بعده { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة. قال الحسن برد الكافور في طيب الزنجبيل، ولهذا قال { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفاً بلا مزج، ويروون بها، ولهذا ضمن يشرب معنى يروى حتى عداه بالباء، ونصب عيناً على التمييز، قال بعضهم هذا الشراب في طيبه كالكافور، وقال بعضهم هو من عين كافور، وقال بعضهم يجوز أن يكون منصوباً بيشرب، حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير. وقوله تعالى { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } أي يتصرفون فيها حيث شاؤوا، وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم، ومجالسهم ومحالهم، والتفجير هو الإنباع كما قال تعالىوَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } الإسراء 90 وقالوَفَجَّرْنَا خِلَـٰلَهُمَا نَهَراً } الكهف 33. وقال مجاهد { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } يقودونها حيث شاؤوا. وكذا قال عكرمة وقتادة، وقال الثوري يصرفونها حيث شاؤوا. وقوله تعالى { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر. قال الإمام مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري من حديث مالك. ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الذي شره مستطير، أي منتشر عام على الناس، إلا من رحم الله، قال ابن عباس فاشياً، وقال قتادة استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض، قال ابن جرير ومنه قولهم استطار الصدع في الزجاجة واستطال، ومنه قول الأعشى
فبانَتْ وقَدْ أَسْأَرَتْ في الفُؤا دِ صَدْعاً على نَأْيِها مُسْتَطِيراً   
يعني ممتداً فاشياً. وقوله تعالى { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } قيل على حب الله تعالى، وجعلوا الضمير عائداً إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه، والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد ومقاتل، واختاره ابن جرير كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3