الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

يخبر تعالى عن أهل الجنة، وما هم فيه من النعيم المقيم، وما أسبغ عليهم من الفضل العميم، فقال تعالى { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات، وذكر الخلاف في الاتكاء، هل هو الاضطجاع، أو التمرفق، أو التربع، أو التمكن في الجلوس؟ وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال. وقوله تعالى { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي ليس عندهم حر مزعج، ولا برد مؤلم، بل هي مزاج واحد دائم سرمدي، لا يبغون عنها حولاً { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـٰلُهَا } أي قريبة إليهم أغصانها { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أي متى تعاطاه، دنا القطف إليه، وتدلى من أعلى غصنه، كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الآية الأخرىوَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } الرحمن 54 وقال جل وعلاقُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } الحاقة 23 قال مجاهد { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } إن قام ارتفعت معه بقدر، وإن قعد تذللت له حتى ينالها، وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها، فذلك قوله تعالى { تَذْلِيلاً } وقال قتادة لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، وقال مجاهد أرض الجنة من ورق، وترابها من المسك، وأصول شجرها من ذهب وفضة، وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت، والورق والثمر بين ذلك، فمن أكل منها قائماً، لم تؤذه، ومن أكل منها قاعداً، لم تؤذه، ومن أكل منها مضطجعاً، لم تؤذه. وقوله جلت عظمته { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـئَانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام، وهي من فضة، وأكواب الشراب، وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم، وقوله { قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } فالأول منصوب بخبر كان، أي كانت قوارير، والثاني منصوب إما على البدلية، أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا { قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ }. قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد بياض الفضة في صفاء الزجاج، والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة، وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا، قال ابن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن ابن عباس ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه، إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم وقوله تعالى { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي على قدر ريهم، لا تزيد عنه، ولا تنقص، بل هي معدة لذلك، مقدرة حسب ري صاحبها، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وابن أبزى، وعبد الله بن عبيد بن عمير وقتادة والشعبي وابن زيد، وقاله ابن جرير وغير واحد، وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة، وقال العوفي عن ابن عباس { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } قدرت للكف، وهكذا قال الربيع بن أنس، وقال الضحاك على قدر كف الخادم، وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري.

السابقالتالي
2 3