الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } * { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }

يقول تعالى { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } أي خزانها { إِلاَّ مَلَـٰئِكَةً } أي زبانية غلاظاً شداداً، وذلك رد على مشركي قريش حين ذكر عدد الخزنة، فقال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم؟ فقال الله تعالى { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَـٰئِكَةً } أي شديدي الخلق، لا يقاومون ولا يغالبون، وقد قيل إن أبا الأشدين، واسمه كلدة بن أسيد بن خلف قال يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر إعجاباً منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة، ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه، قال السهيلي وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصارعته، وقال إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مراراً، فلم يؤمن، قال وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب. قلت ولا منافاة بين ما ذكراه، والله أعلم. وقوله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختباراً منا للناس { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } أي يعلمون أن هذا الرسول حق فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله، وقوله تعالى { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَـٰناً } إلى إيمانهم، أي بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي من المنافقين { وَٱلْكَـٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } أي يقولون ما الحكمة في ذكر هذا ههنا؟ قال الله تعالى { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ } أي من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام، ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. وقوله تعالى { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة، من الفلاسفة اليونانيين ومن شايعهم من الملتين الذين سمعوا هذه الآية، فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة، والنفوس التسعة التي اخترعوا دعواها، وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها، فأفهموا صدر هذه الآية، وقد كفروا بآخرها، وهو قوله { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة " فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليهم ".

السابقالتالي
2 3 4