الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول تعالى { إِنَّ هَـٰذِهِ } أي السورة { تَذْكِرَةً } أي يتذكر بها أولو الألباب، ولهذا قال تعالى { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } أي ممن شاء الله تعالى هدايته كما قيده في السورة الأخرىوَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } الإنسان 30 ثم قال تعالى { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } أي تارة هكذا، وتارة هكذا، وذلك كله من غير قصد منكم، ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل لأنه يشق عليكم، ولهذا قال { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي تارة يعتدلان، وتارة يأخذ هذا من هذا، وهذا من هذا { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي الفرض الذي أوجبه عليكم { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } أي من غير تحديد بوقت، أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر، وعبر عن الصلاة بالقراءة كما قال في سورة سبحانوَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } الإسراء 110 أي بقراءتكبِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } الإسراء 110 وقد استدل أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله بهذه الآية، وهي قوله { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } على أنه لا يجب تعين قراءة الفاتحة في الصلاة، بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن ولو بآية، أجزأه، واعتضدوا بحديث المسيء صلاته الذي في الصحيحين " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة بن الصامت، وهو في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام " وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً " لا تجزىء صلاة من لم يقرأ بأم القرآن ". وقوله تعالى { أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل من مرضى لا يستطيعون ذلك، ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر، وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله، وهذه الآية بل السورة كلها مكية، ولم يكن القتال شرع بعد، فهي من أكبر دلائل النبوة لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة، ولهذا قال تعالى { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } أي قوموا بما تيسر عليكم منه. قال ابن جرير حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية عن أبي رجاء محمد، قال قلت للحسن يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، ولا يقوم به، إنما يصلي المكتوبة، قال يتوسد القرآن، لعن الله ذاك، قال الله تعالى للعبد الصالح

السابقالتالي
2 3