الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً }

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن، فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له، فقال تعالى { قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانَاً عَجَباً يَهْدِىۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } أي إلى السداد والنجاح، { فَـآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } وهذا المقام شبيه بقوله تعالى { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءَانَ } وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادتها ههنا. وقوله تعالى { وَأَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { جَدُّ رَبِّنَا } أي فعله وأمره وقدرته. وقال الضحاك عن ابن عباس جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه، وروي عن مجاهد وعكرمة جلال ربنا، وقال قتادة تعالى جلاله وعظمته وأمره، وقال السدي تعالى أمر ربنا. وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضاً وابن جريج تعالى ذكره. وقال سعيد بن جبير { تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } أي تعالى ربنا، فأما ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سفيان عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال الجد أب، ولو علمت الجن أن في الإنس جداً، ما قالوا تعالى جد ربنا، فهذا إسناد جيد، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام، ولعله قد سقط شيء، والله أعلم. وقوله تعالى { مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةً وَلاَ وَلَداً } أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد، أي قالت الجن تنزّه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد، ثم قالوا { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي { سَفِيهُنَا } يعنون إبليس { شَطَطاً } قال السدي عن أبي مالك { شَطَطاً } أي جوراً، وقال ابن زيد أي ظلماً كبيراً، ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا، اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولداً، ولهذا قالوا { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } أي قبل إسلامه { عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } أي باطلاً وزوراً، ولهذا قالوا { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به، علمنا أنهم كانوا يكذّبون على الله في ذلك. وقوله تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً } أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوءُهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، زادوهم رهقاً، أي خوفاً وإرهاباً وذعراً، حتى بقوا أشد منهم مخافة، وأكثر تعوّذاً بهم، كما قال قتادة { فَزَادوهُمْ رَهَقاً } أي إثماً، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة، وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم { فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } أي ازدادت الجن عليهم جرأة.

السابقالتالي
2