الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } * { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } * { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } * { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } * { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }

يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام أنه اشتكى إلى ربه عزّ وجلّ ما لقي من قومه، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما بين لقومه ووضح لهم، ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم، فقال { رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً } أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالاً لأمرك، وابتغاء لطاعتك { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِىۤ إِلاَّ فِرَاراً } أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق، فروا منه، وحادوا عنه، { وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِىۤ ءَاذَٰنِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه كما أخبر تعالى عن كفار قريشوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت 26 { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } قال ابن جرير عن ابن عباس تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير والسدي غطوا رؤوسهم لئلا يسمعوا ما يقول، { وَأَصَرُّواْ } أي استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع، { وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } أي واستنكفوا عن اتّباع الحق والانقياد له، { ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَـٰراً } أي جهرة بين الناس { ثُمَّ إِنِّىۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ } أي كلاماً ظاهراً بصوت عال، { وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } أي فيما بيني وبينهم، فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم. { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } أي ارجعوا إليه، وارجعوا عما أنتم فيه، وتوبوا إليه من قريب فإنه من تاب إليه، تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك، ولهذا قال { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً } أي متواصلة الأمطار، ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية، وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر ليستسقي، فلم يزد على الاستغفار وقراءة الآيات في الاستغفار، ومنها هذه الآية { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً } ثم قال لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر. وقال ابن عباس وغيره يتبع بعضه بعضاً. وقوله تعالى { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرّ لكم الضرع، وأمدّكم بأموال وبنين، أي أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها، هذا مقام الدعوة بالترغيب، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً }؟ أي عظمة، قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك، وقال ابن عباس لا تعظمون الله حق عظمتة، أي لا تخافون من بأسه ونقمته { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } قيل معناه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي وابن زيد.

السابقالتالي
2