الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

يقول تعالى منكراً على الكفار الذين كانوا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهم مشاهدون له، ولما أرسله الله به من الهدى، وما أيّده الله به من المعجزات الباهرات، ثم هم مع هذا كله فارون منه، متفرقون عنه، شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً، وشيعاً شيعاً، كما قال تعالىفَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } الآية المدثر 49 ــــ 51. وهذه مثلها فإنه قال تعالى { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } أي فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مهطعين؟ أي مسرعين نافرين منك، كما قال الحسن البصري مهطعين، أي منطلقين، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } واحدها عزة، أي متفرقين، وهو حال من مهطعين، أي في حال تفرّقهم واختلافهم كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب. وقال العوفي عن ابن عباس { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } ، قال قبلك ينظرون، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } قال العزين العصب من الناس، عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به، وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر، حدثنا قرة عن الحسن في قوله { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون ما قال هذا الرجل؟ وقال قتادة { مُهْطِعِينَ } عامدين { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي فرقاً حول النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله، ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية، كلهم عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق، فقال " ما لي أراكم عزين؟ " رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به، وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال " ما لي أراكم عزين؟ " وهذا إسناده جيد، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه. وقوله تعالى { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ } أي أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا بل مأواهم جهنم. ثم قال تعالى مقرّراً لوقوع المعاد والعذاب بهم، الذي أنكروا كونه، واستبعدوا وجوده، مستدلاً عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها، وهم معترفون بها، فقال تعالى { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي من المني الضعيف كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3