الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } * { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } * { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } * { وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } * { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } * { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } * { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } * { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }

يقول تعالى العذاب واقع بالكافرين { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد ابن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد أي كدردي الزيت { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } أي كالصوف المنفوش، قاله مجاهد وقتادة و السدي، وهذه الآية كقوله تعالىوَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } القارعة 5 وقوله تعالى { وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } أي لا يسأل القريب قريبه عن حاله، وهو يراه في أسوأ الأحوال، فتشغله نفسه عن غيره، قال العوفي عن ابن عباس يعرف بعضهم بعضاً، ويتعارفون بينهم، ثم يفرّ بعضهم من بعض بعد ذلك، يقول الله تعالىلِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } عبس 37 وهذه الآية الكريمة كقوله تعالىيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } لقمان 33 وكقوله تعالىوَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } فاطر 18 وكقوله تعالىفَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } المؤمنون 101 وكقوله تعالىيَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } عبس 34 ــــ 37 وقوله تعالى { يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَـٰحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـئْوِيهِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ } أي لا يقبل منه فداء، ولو جاء بأهل الأرض وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهباً، أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يقبل منه. قال مجاهد والسدي { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُئْوِيهِ } قبيلته وعشيرته، وقال عكرمة فخذه الذي هومنهم، وقال أشهب عن مالك فصيلته أمه، وقوله تعالى { إِنَّهَا لَظَىٰ } يصف النار وشدة حرها { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } قال ابن عباس ومجاهد جلدة الرأس، وقال العوفي عن ابن عباس { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } الجلود والهام، وقال مجاهد ما دون العظم من اللحم، وقال سعيد بن جبير للعصب والعقب. وقال أبو صالح { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } يعني أطراف اليدين والرجلين، وقال أيضاً { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } لحم الساقين، وقال الحسن البصري وثابت البناني { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } أي مكارم وجهه، وقال الحسن أيضاً تحرق كل شيء فيه، ويبقى فؤاده يصيح. وقال قتادة { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } أي نزاعة لهامته، ومكارم وجهه، وخلقه وأطرافه. وقال الضحاك تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً، وقال ابن زيد الشوى الآراب العظام، فقوله نزاعة، قال تقطع عظامهم، ثم تبدل جلودهم وخلقهم. وقوله تعالى { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ } أي تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب، وذلك أنهم كما قال الله عزّ وجلّ كانوا ممن أدبر وتولى، أي كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه، { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ } أي جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي أوكاه، ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة، وقد ورد في الحديث

السابقالتالي
2