يقول تعالى مخبراً عما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء، يعني بالبأساء ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام، والضراء ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } ، أي يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم، وتقدير الكلام أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا، فما فعلوا شيئاً من الذي أراد منهم، فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه، ولهذا قال { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } أي حولنا الحالة من شدة إلى رخاء ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى ليشكروا على ذلك، فما فعلوا، وقوله { حَتَّىٰ عَفَواْ } أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال عفا الشيء إذا كثر. { وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءَابَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يقول تعالى ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا، وينيبوا إلى الله، فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا، بل قالوا قد مسنا من البأساء والضراء، ثم بعده من الرخاء، مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان والدهر، وإنما هو الدهر تارات وتارات، بل لم يتفطنوا لأمر الله فيهم، و لا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين، وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء، ويصبرون على الضراء كما ثبت في الصحيحين " عجباً للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له " فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء، ولهذا جاء في الحديث " لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقياً من ذنوبه، والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم أرسلوه " أو كما قال، ولهذا عقب هذه الصفة بقوله { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي أخذناهم بالعقوبة بغتة، أي على بغتة، وعدم شعور منهم، أي أخذناهم فجأة كما في الحديث " موت الفجأة رحمة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر ".