الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ }

يقول تعالى { وَٱلْوَزْنُ } أي للأعمال، يوم القيامة { ٱلْحَقُّ } أي لا يظلم تعالى أحداً كقولهوَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ } الأنبياء 47 وقال تعالىإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } النساء 40 وقال تعالىفَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَٰزِينُهُ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَٰزِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } القارعة 6-11 وقال تعالىفَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَٰزِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَٰزِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ } المؤمنون 101-103. فصل والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل الأعمال، وإن كانت أعراضاً، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساماً، قال البغوي يروى نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيابتان، أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن، وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون، فيقول من أنت؟ فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك. وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر " فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح، فيقول من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح " ، وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق، وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به، ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله، فيقول يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى إنك لا تظلم، فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " رواه الترمذي بنحو من هذا، وصححه، وقيل يوزن صاحب العمل كما في الحديث " يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين، فلا يزن عند الله جناح بعوضة " ثم قرأفَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً } الكهف 105، وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد " وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحاً، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.