الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } * { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

قال مجاهد كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا، فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشيء، وتقول
اليومَ يَبْدو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وما بَدا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ   
فأنزل الله { وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } الآية، قلت كانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش، وهم الحمس، يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوباً، طاف فيه، ومن معه ثوب جديد، طاف فيه، ثم يلقيه، فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوباً جديداً، ولا أعاره أحمسي ثوباً، طاف عرياناً، وربما كانت امرأة، فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر، فتقول
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُه أَوْ كُلُّهُ وما بَدا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ   
وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال { وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } فقال تعالى رداً عليهم { قُلْ } أي يا محمد لمن ادعى ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك، { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أتسندون إلى الله من الأقوال مالا تعلمون صحته، وقوله تعالى { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل والاستقامة، { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها، وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات، فيما أخبروا به عن الله، وما جاؤوا به من الشرائع، وبالإخلاص له في عبادته فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، وأن يكون خالصاً من الشرك. وقوله تعالى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } إلى قوله { ٱلضَّلَـٰلَةَ } اختلف في معنى قوله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } فقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } يحييكم بعد موتكم، وقال الحسن البصري كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء، وقال قتادة { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قال بدأ فخلقهم، ولم يكونوا شيئاً، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما بدأكم أولاً، كذلك يعيدكم آخراً، واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير، وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً، كما بدأنا أول خلق نعيده، وعداً علينا إنا كنا فاعلين "

السابقالتالي
2 3