الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام. وأنه خلق منه زوجته حواء، ثم انتشر الناس منهما كما قال تعالىيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } الحجرات 13 وقال تعالىيَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } النساء 1 الآية، وقال في هذا الآية الكريمة { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أي ليألفها ويسكن بها كقوله تعالىوَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } الروم 21 فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين، ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي وطئها { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } وذلك أول الحمل لا تجد المرأة له ألماً، إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة. وقوله { فَمَرَّتْ بِهِ } قال مجاهد استمرت بحمله، وروي عن الحسن وإبراهيم النخعي والسدي نحوه، وقال ميمون بن مهران عن أبيه استخفته. وقال أيوب سألت الحسن عن قوله { فَمَرَّتْ بِهِ } قال لو كنت رجلاً عربياً، لعرفت ما هي؟ إنما هي فاستمرت به، وقال قتادة { فَمَرَّتْ بِهِ } استبان حملها. وقال ابن جرير معناه استمرت بالماء، قامت به وقعدت. وقال العوفي عن ابن عباس استمرت به، فشكت أحملت أم لا؟ { فَلَمَّآ أَثْقَلَت } أي صارت ذات ثقل بحملها. وقال السدي كبر الولد في بطنها { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَـٰلِحاً } أي بشراً سوياً كما قال الضحاك عن ابن عباس أشفقا أن يكون بهيمة، وكذلك قال أبو البختري وأبو مالك أشفقا أن لا يكون إنساناً. وقال الحسن البصري لئن آتيتنا غلاماً { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ فَلَمَّآ ءَاتَـٰهُمَا صَـٰلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يذكر المفسرون ههنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها، ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة، قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما ولدت حواء، طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال سميه عبد الحارث، فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به، وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً، ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

السابقالتالي
2 3 4