الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش، ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِىۤ ءاتَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } الآية قال هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعوراء. وكذا رواه شعبة وغير واحد عن منصور به وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس هو صيفي بن الراهب. قال قتادة وقال كعب كان رجلاً من أهل البلقاء، وكان يعلم الاسم الأكبر، وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه هو رجل من أهل اليمن يقال له بلعم، آتاه الله آياته فتركها، وقال مالك بن دينار كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى الله، فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام. وقال سفيان بن عيينة عن حصين عن عمران بن الحارث عن ابن عباس هو بلعم بن باعوراء، وكذا قال مجاهد وعكرمة. وقال ابن جرير حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا إسرائيل عن مغيرة عن مجاهد عن ابن عباس قال هو بلعام. وقالت ثقيف هو أمية بن أبي الصلت. وقال شعبة عن يعلى بن عطاء عن نافع بن عاصم عن عبد الله بن عمرو في قوله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِىۤ ءاتَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا } الآية قال هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت، وقد روي من غير وجه عنه، وهو صحيح إليه، وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه، فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته، وظهرت لكل من له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة، قبحه الله. وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه، فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة، ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي نمر، حدثنا سفيان عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِىۤ ءاتَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } قال هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن، وكانت له امرأة له منها ولد، فقالت اجعل لي منها واحدة، قال فلك واحدة، فما الذي تريدين؟ قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل، فدعا الله، فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها، رغبت عنه، وأرادت شيئاً آخر، فدعا الله أن يجعلها كلبة، فصارت كلبة، فذهبت دعوتان، فجاء بنوها، فقالوا ليس بنا على هذا قرار، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها، فدعا الله فعادت كما كانت، وذهبت الدعوات الثلاث، وتسمى البسوس، غريب، وأما المشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة فإنما هو رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل كما قال ابن مسعود وغيره من السلف، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعام، وكان يعلم اسم الله الأكبر، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره من علماء السلف كان مجاب الدعوة، ولا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وأغرب بل أبعد بل أخطأ من قال كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها، حكاه ابن جرير عن بعضهم، ولا يصح، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لما نزل موسى بهم - يعني بالجبارين - ومن معه أتاه - يعني بلعم - أتاه بنو عمه وقومه، فقالوا إن موسى رجل حديد، ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه، قال إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه الله ما كان عليه، فذلك قوله تعالى { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5