الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمماً، أي طوائف وفرقاً كما قالوَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَٰءِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلأَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } الإسراء 104 { مِّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ } أي فيهم الصالح وغير ذلك كقول الجنوَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } الجن 11 { وَبَلَوْنَـٰهُمْ } أي اختبرناهم { بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } أي بالرخاء والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ثم قال تعالى { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } الآية، يقول تعالى فخلف من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف آخر لا خير فيهم، وقد ورثوا دراسة الكتاب، وهو التوراة. وقال مجاهد هم النصارى، وقد يكون أعم من ذلك { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا، ويسوفون أنفسهم، ويعدونها بالتوبة، وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه، ولهذا قال { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } وكما قال سعيد بن جبير يعملون الذنب، ثم يستغفرون الله منه، ويعترفون لله، فإن عرض ذلك الذنب أخذوه. وقال مجاهد في قوله تعالى { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } قال لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه، حلالاً كان أو حراماً، ويتمنون المغفرة { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } ، وقال قتادة في الآية إي والله لخلف سوء { وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } بعد أنبيائهم ورسلهم، أورثهم الله، وعهد إليهم، وقال الله تعالى في آية أخرى { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ } الآية، قال { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } تمنوا على الله أماني وغرة يغترون بها { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } لا يشغلهم شيء، ولا ينهاهم شيء عن ذلك، كلما هف لهم شيء من الدنيا أكلوه، لا يبالون حلالاً كان أو حراماً، وقال السدي قوله { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } إلى قوله { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } قال كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم، وإن خيارهم اجتمعوا، فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا، فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى، فيقال له ما شأنك ترتشي في الحكم؟ فيقول سيغفر لي، فتطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع، فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي، يقول وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه، قال الله تعالى { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } الآية، يقول تعالى منكراً عليهم في صنيعهم هذا، مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه كقولهوَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }

السابقالتالي
2