الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ } وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما روى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي، حدثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعي، قلت لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه، قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي " فقال برأسه هكذا، أي لا، فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، فقال " أقيموا اليهودي عن أخيكم " ثم تولى كفنه والصلاة عليه. هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس. وقال الحاكم صاحب المستدرك أخبرنا محمد بن عبد الله بن إسحاق البغوي، حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة، يعني غوطة دمشق، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه، فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسوله نكلمه، فقلنا والله لا نكلم رسولاً، وإنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه الرسول، فأخبره بذلك. قال فأذن لنا، فقال تكلموا، فكلمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام، فإذا عليه ثياب سود، فقال له هشام وما هذه التي عليك؟ فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، قلنا ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار، ويقومون بالليل، فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملىء وجهه سواداً، فقال قوموا، وبعث معنا رسولاً إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريباً من المدينة قال لنا الذي معنا إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا والله لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك، فأمرنا أن ندخل على رواحلنا، فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا لا إله إلا الله والله أكبر، فالله يعلم لقد تَنَفَّضَتِ الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، قال فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن ادخلوا، فدخلنا عليه، وهو على فراش له، وعنده بطارقة من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنونا منه، فضحك فقال ما عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام، فقلنا إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها، لا يحل لنا أن نحييك بها، قال كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا السلام عليكم، قال فكيف تحيون ملككم؟ قلنا بها، قال فكيف يرد عليكم؟ قلنا بها، قال فما أعظم كلامكم؟ قلنا لا إله إلا الله والله أكبر، فلما تكلمنا بها، والله يعلم، لقد تَنَفَّضَت الغرفة حتى رفع رأسه إليها، قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تَنَفَّضَت الغرفة، أكلما قلتموها في بيوتكم تَنَفَّضَت عليكم غرفكم؟ قلنا لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك، قال لوددت أنكم كلما قلتم تَنَفَّضَ كل شيء عليكم، وأني قد خرجت من نصف ملكي، قلنا لم؟ قال لأنه كان أيسر لشأنها، وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة، وأنها تكون من حيل الناس، ثم سألنا عما أراد فأخبرناه، ثم قال كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال قوموا، فأمر لنا بمنزل حسن، ونزل كثير، فأقمنا ثلاثاً، فأرسل إلينا ليلاً، فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتاً وقفلاً فاستخرج حريرة سوداء، فنشرها فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله، فقال أتعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا آدم عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعراً، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا نوح عليه السلام، ثم فتح باباً آخر فاستخرج حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قالهذا إبراهيم عليه السلام، ثم فتح باباً آخر فإذا فيه صورة بيضاء، وإذا والله، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا؟ قلنا نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وبكينا، قال والله يعلم أنه قام قائماً ثم جلس، وقال والله إنه لهو؟ قلنا نعم إنه لهو، كأنك تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم، ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء، وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان متقلص الشفة كأنه غضبان، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا موسى عليه السلام، وإلى جنبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه قبل، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا هارون بن عمران عليه السلام، ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا لوط عليه السلام، ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أقنى خفيف العارضين حسن الوجه فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا إسحاق عليه السلام، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق، إلا أنه على شفته خال، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا يعقوب عليه السلام، ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة قال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا إسماعيل جد نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة كصورة آدم، كأن وجهه الشمس، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا يوسف عليه السلام، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفاً فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا داود عليه السلام، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرساً، فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا سليمان بن داود عليهما السلام، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء وإذا شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا، قال هذا عيسى بن مريم عليه السلام، قلنا من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله، فقال إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال، ثم قال أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإني كنت عبداً لأشركم ملكة حتى أموت، ثم أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرحنا، فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا، قال فبكى أبو بكر، وقال مسكين لو أراد الله به خيراً لفعل، ثم قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم.

السابقالتالي
2 3 4