يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه، وما أضمروه لموسى عليه السلام وقومه من الأذى والبغضة أي لفرعون { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ } أي أتدعهم ليفسدوا في الأرض، أي يفسدوا أهل رعيتك، ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك؟ يا لله العجب صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون، ولهذا قالوا { وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ } قال بعضهم الواو هاهنا حالية، أي أتذره وقومه يفسدون في الأرض، وقد ترك عبادتك؟ وقرأ ذلك أبي بن كعب، وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك، حكاه ابن جرير، وقال آخرون هي عاطفة، أي أتدعهم يصنعون من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك؟ وقرأ بعضهم إلاهتك، أي عبادتك. وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيره. وعلى القراءة الأولى قال بعضهم كان لفرعون إله يعبده. قال الحسن البصري كان لفرعون إله يعبده في السر، وقال في رواية أخرى كان له جُمانة في عنقه معلقة يسجد لها. وقال السدي في قوله تعالى { وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ } وآلهته - فيما زعم ابن عباس - كانت البقر، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء، أمرهم فرعون أن يعبدوها، فلذلك أخرج لهم السامري عجلاً جسداً. فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكل بهم قبل ولادة موسى عليه السلام حذراً من وجوده، فكان خلاف ما رامه، وضد ما قصده فرعون. وهكذا عومل في صنيعه أيضاً لما أراد إذلال بني إسرائيل وقهرهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد أعزهم الله وأذله، وأرغم أنفه وأغرقه وجنوده. ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل، { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ } ووعدهم بالعاقبة، وأن الدار ستصير لهم في قوله { إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أي قد فعلوا بنا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك، فقال منبهاً لهم على حالهم الحاضر، وما يصيرون إليه في ثاني الحال { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } الآية، وهذا تخضيض لهم على العزم على الشكر عند حلول النعم وزوال النقم.