الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

يقول تعالى { فَٱصْبِرْ } يا محمد على أذى قومك لك، وتكذيبهم، فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } يعني ذا النون، وهو يونس بن متى عليه السلام، حين ذهب مغاضباً على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر، والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلماتأَن لآ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الأنبياء 87 قال الله تعالى { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ } وقال تعالىفَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الصافات 143 ــــ 144 وقال ههنا { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } قال ابن عباس ومجاهد والسدي وهو مغموم، وقال عطاء الخراساني وأبو مالك مكروب. وقد قدمنا في الحديث أنه لما قاللاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الأنبياء 87 خرجت الكلمة تحفّ حول العرش، فقالت الملائكة يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال الله تبارك وتعالى أما تعرفون هذا؟ قالوا لا، قال هذا يونس، قالوا يا رب عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة؟ قال نعم، قالوا أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء، فتنجيه من البلاء؟ فأمر الله الحوت، فألقاه بالعراء، ولهذا قال تعالى { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }. وقد قال الإمام أحمد حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خَيْرٌ من يونس بن متى " ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري، وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وقوله تعالى { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـٰرِهِمْ } قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما { لَيُزْلِقُونَكَ } لينفذونك { بِأَبْصَـٰرِهِمْ } أي يعينونك بأبصارهم، بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عزّ وجلّ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو داود حدثنا سليمان بن داود العتكي، حدثنا شريك " ح " وحدثنا العباس العنبري، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي، قال العباس عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رقية إلا من عين، أو حمة، أو دم لا يرقأ "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7