الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النعمة الجسيمة، وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة، ولهذا قال تعالى { إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ } أي اختبرناهم { كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم، ولا يتصدقوا منه بشيء { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أي فيما حلفوا به، ولهذا حنثهم الله في أيمانهم، فقال تعالى { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } أي أصابتها آفة سماوية، { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } قال ابن عباس كالليل الأسود. وقال الثوري والسدي مثل الزرع إذا حصد، أي هشيماً يبساً. وقال ابن أبي حاتم ذكر عن أحمد بن الصباح، أنبأنا بشير بن زاذان عن عمر بن صبيح عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب الذنب، فيحرم به رزقاً قد كان هيّىء له " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } قد حرموا خير جنتهم بذنبهم. { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } أي لما كان وقت الصبح، نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى الجذاذ، أي القطع { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰرِمِينَ } أي تريدون الصرام. قال مجاهد كان حرثهم عنباً. { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَـٰفَتُونَ } أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحداً كلامهم. ثم فسر الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به، فقال تعالى { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَـٰفَتُونَ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم، قال الله تعالى { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ } أي قوة وشدة. وقال مجاهد { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ } أي جدّ، وقال عكرمة على غيظ، وقال الشعبي { عَلَىٰ حَرْدٍ } على المساكين، وقال السدي { عَلَىٰ حَرْدٍ } أي كان اسم قريتهم حرد، فأبعد السدي في قوله هذا. { قَـٰدِرِينَ } أي عليها، فيما يزعمون ويرومون { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } أي فلما وصلوا إليها، وأشرفوا عليها، وهي على الحالة التي قال الله عز وجلّ قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة، لا ينتفع بشيء منها، فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق، ولهذا قالوا { إِنَّا لَضَآلُّونَ } أي قد سلكنا إليها غير الطريق، فتهنا عنها. قاله ابن عباس وغيره، ثم رجعوا عما كانوا فيه، وتيقنوا أنها هي، فقالوا { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي بل هي هذه، ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب.

السابقالتالي
2