الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } * { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً }

يقول تعالى متوعداً لمن خالف أمره وكذب رسله وسلك غير ما شرعه، ومخبراً عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك فقال تعالى { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله { فَحَاسَبْنَـٰهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَـٰهَا عَذَاباً نُّكْراً } أي منكراً فظيعاً { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } أي غبّ مخالفتها وندموا حيث لا ينفعهم الندم { وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } أي في الدار الآخرة، مع ما عجل لهم من العذاب في الدنيا، ثم قال تعالى بعدما قص من خبر هؤلاء { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ } أي الأفهام المستقيمة، لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي صدقوا بالله ورسله { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } يعني القرآن كقوله تعالىإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } الحجر 9. وقوله تعالى { رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَـٰتٍ } قال بعضهم رسولاً منصوب على أنه بدل اشتمال وملابسة لأن الرسول هو الذي بلغ الذكر. قال ابن جرير الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر، يعني تفسيراً له، ولهذا قال تعالى { رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَـٰتٍ } أي في حال كونها بينة واضحة جلية { لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } كقوله تعالىكِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } إبراهيم 1 وقال تعالىٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } البقرة257 أي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله نوراً لما يحصل به من الهدى، كما سماه روحاً لما يحصل به من حياة القلوب، فقال تعالىوَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الشورى 52 وقوله تعالى { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } قد تقدم تفسير مثل هذا غير مرة بما أغنى عن إعادته.