الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

يقول تعالى فإذا بلغت المعتدات أجلهن، أي شارفن على انقضاء العدة، وقاربن ذلك، ولكن لم تفرغ العدة بالكلية، فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه، والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده { بِمَعْرُوفٍ } أي محسناً إليها في صحبتها، وإما أن يعزم على مفارقتها { بِمَعْرُوفٍ } أي من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف، بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن. وقوله تعالى { وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مِّنكُمْ } أي على الرجعة إذا عزمتم عليها، كما رواه أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال طلقت لغير سنة ورجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعد. وقال ابن جريج كان عطاء يقول { وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مِّنكُمْ } قال لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل، كما قال الله عز وجل، إلا أن يكون من عذر. وقوله تعالى { ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر، وأنه شرع هذا، ومن يخاف عقاب الله في الدار الآخرة. ومن ههنا ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى وجوب الإشهاد في الرجعة، كما يجب عنده في ابتداء النكاح، وقد قال بهذا طائفة من العلماء، ومن قال بهذا يقول إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها. وقوله تعالى { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهة لا تخطر بباله. قال الإمام أحمد حدثنا يزيد أنبأنا كهمس بن الحسن، حدثنا أبو السليل، عن أبي ذر قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليّ هذه الآية { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } حتى فرغ من الآية، ثم قال " يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم " وقال فجعل يتلوها ويرددها عليّ حتى نعست، ثم قال " يا أبا ذر كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة؟ " قلت إلى السعة والدعة أنطلق فأكون حمامة من حمام مكة، قال " كيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟ " قلت إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة، قال " وكيف تصنع إذا أخرجت من الشام؟ " قلت إذاً والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي، قال

السابقالتالي
2 3 4