الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } أي محبة بعد البغضة، ومودة بعد النفرة، وألفة بعد الفرقة، { وَٱللَّهُ قَدِيرٌ } أي على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة، فتصبح مجتمعة متفقة كما قال تعالى ممتناً على الأنصاروَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } آل عمران 103 الآية. وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ " وقال الله تعالىهُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } الأنفال 62 ــــ 63 وفي الحديث " أحبب حبيبك هوناً ما، فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما " وقال الشاعر
وقد يَجْمَعُ اللّهُ الشَّتِيْتَيْنِ بعدَما يَظُنّاّنِ كُلَّ الظَّنِّ أَلا تَلاقِيا   
وقوله تعالى { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يغفر للكافرين كفرهم، إذا تابوا منه، وأنابوا إلى ربهم، وأسلموا له، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان. وقد قال مقاتل بن حيان إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته، فكانت هذه مودة ما بينه وبينه. وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف، وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال قرىء على محمد بن عزيز، حدثني سلامة، حدثني عقيل، حدثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل، فلقي ذا الخمار مرتداً، فقاتله، فكان أول من قاتل في الردة، وجاهد عن الدين، قال ابن شهاب وهو ممن أنزل الله فيه { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } الآية. وفي صحيح مسلم، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله، ثلاث أعطنيهن، قال " نعم " قال تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال " نعم " قال ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال " نعم " قال وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ــــ الحديث ــــ وقد تقدم الكلام عليه.

السابقالتالي
2